للتوقيع الرجاء املاء وتقديم الاستماره ادناه. |
اللائحه الكامله للمؤقعين والموقعات. ملاحظات: 1-اعلى رقم هو عدد الموقعين، 2-الضغط على أحد العناوين يصنّف القائمه به،تصاعدي او تنازلي. |
|
أولًا: لماذا هذا الإعلان؟
في ظلِّ تمزّق الجغرافيا الوطنيّة السوريّة، وتحوّلها إلى ساحةِ صراعٍ لجهاتٍ ودولٍ مختلفة، ومع حال الفوضى التي نعيشُها، وانقسامِ المجتمع السوري وتشظِّيه، ومع افتقادِنا إلى قوىً وطنيّة سوريّة قادرةٍ على أداء مُوحِّد للشعب السوري للعمل في ضوء رؤية وطنيّة سوريّة، يرى الموقِّعون على هذا الإعلان أهميةَ العمل على بلورة الوطنيّة السوريّة ومبادئها وأسسها، وإنضاجها تدرجيًّا لتكون أرضيةَ عملٍ لأوسعِ قطاعٍ ممكنٍ من السوريين، مثقفين وسياسيين وإعلاميين وناشطين ومواطنين سوريين من جميع أنحاء سورية.
ويأتي هذا الإعلان أيضًا، حرصًا من موقعيه على الدفع في اتجاه تحقيق أكبر قدرٍ ممكنٍ من استقلاليةِ الإرادةِ والقرارِ الوطنيّين، والحدّ من خطر احتمال تشظي القضية الوطنيّة والمسألة الديمقراطية نهائيًا، واحترامًا ووفاءً لأرواح شهدائنا وتضحياتِ شعبنا. وغنيٌ عن القول أيضًا إنه يأتي في سياق الآمال المشروعة للسوريين في تطلعهم إلى الحرية والمساواة والعدالة، بقدر تطلعهم إلى الأمن والسلام، وإلى حياة إنسانية لائقة، وتنمية إنسانية شاملة ومستدامة، ومشاركة إيجابية في إنتاج المعارف والقيم والخيرات الإنسانية.
ومع احتواء "إعلان الوطنيّة السوريّة" على مجموعةٍ من الرّؤى والمبادئ الأساسية التي نعتقد أنها يمكن أن تؤسِّس للوطنيّة السوريّة؛ فإنه يشكِّل دعوة صريحة إلى السوريين جميعهم لإعلان إيمانهم به، والتزامه، والعمل من أجله، وفي ضوئه، ثقافيًا وسياسيًا وإعلاميًا ومدنيًا وحياتيًا، لكن بقدر ما يعني الإعلان هذا الموقعين والموافقين عليه، الآن وفي المستقبل؛ فإنه يعني بالدرجة نفسها السوريين كلّهم من حيث ضرورة إشباعه نقدًا وتطويرًا ليكون، تدريجًا، أساسًا لبلورة رأي عام سوري نحن أحوج ما نكون إليه في ظل استمرار حال التوهان والضياع والآفاق الغامضة.
ثانيًا: الوطنيّة السوريّة
الوطنيّة السوريّة هي انتماء إلى وطن اسمه سوريّة، بحدوده الرسمية، بحضارته وتاريخه وحاضره؛ وعليه تُشكِّل هذه الوطنيّة، مع الزمن والتفاعل المجتمعي الحر، نسيجًا روحيًا وثقافيًا يستوعب السوريين جميعهم. الوطنيّة السوريّة هي رابطتُنا الجوهرية، وجسرُ التواصلِ بين السوريين، والمدخلُ إلى علاقاتهم ببعضهم بعضًا، وإلى ملاقاتهم الآمال والطموحات المشتركة، وهي مدخلُنا إلى المشاركة في النشاط الإنساني، وميدانُ التفاعل الحيّ مع غيرنا، والمؤثِّر في الخارج، وسبيلُنا إلى مواجهة الاستحقاقات والتحديات والأخطار التي تهدِّد مصيرنا، وإلى اغتنام الفرص التي تزيد من أهليَّتنا وتأثيرنا الإيجابي في الإقليم والعالم.
الوطنيّة السوريّة ليست نقيضًا أو بديلًا للانتماء القومي أو الديني أو الطائفي، وتنبع جوهريتُها من كونها الرابطة التي تبني الدولة، وتحقِّق المشترك بين المواطنين، وتوفِّر المظلة التي تضمن حماية التنوع الديني والمذهبي والإثني. الوطنيّة بهذا المعنى، منظومة أفكار ومبادئ وأسس وقوانين، تحرِّرنا من منطق الانتماء الجبري والانتماء الاسمي والانتماء اللغوي، ومن هنا تبرز الأهميةُ الشديدة لإحياء وإعادة بناء قيمة المواطنة، في ارتباطها العضويِّ بالوطنيّة السوريّة من جهة، وفي كونها الحلَّ الأمثلَ للحفاظ على تنوّع المجتمع السوري ثانيًا، وتعني المواطنةُ العضويةَ الكاملة في الدولة الوطنيّة، وتتجسَّد بأركانها الثلاثة المتلازمة؛ المساواة الحقوقية، والحرية الفردية، والمشاركة في الشأن العام وحياة الدولة.
ثالثًا: مبادئ وأسُس وطنية
1- الإنسان والمواطن
الإنسان هو المبدأُ الرئيسُ المؤسِّسُ للدولةِ الجديدةِ، وعليه ينبني مبدأُ المواطنة الذي يعني تساوي المواطنين في الكرامة الإنسانيّة، وأمام القانون في الحقوق والواجبات، من دون أيِّ تمييزٍ بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الإثنية أو الدِّين أو العقيدة، والمعنى العميق لها هو أنَّ "الإنسانية والمواطنة صفتان لا تقبلان التفاوت والتفاضل"؛ "فليس من فردٍ إنساني هو أكثر أو أقل إنسانية من الآخر، وليس من عضو في دولة ديمقراطية عصرية هو مواطن أكثر أو أقل من الآخر"، ومن ثمّ ليس هناك من سوريٍّ أكثرَ سوريّة أو أقلَّ من سواه.
2- الدولة الجديدة
• الدولة السوريّة؛ التزام المبادئ الفكريّة والسياسيّة والأخلاقيّة التي تتأسَّس عليها الدولة الوطنيّة الديمقراطيّة الحديثة؛ فالدولةُ المستقبليّةُ ليست دولةَ فردٍ أو طغمةٍ أو طائفةٍ أو عشيرة أو حزب، بل دولةُ المواطنين السوريين جميعهم؛ فأيّ نظامٍ سياسيٍّ يستمدُّ شرعيتَه من هيمنةِ أغلبيّةٍ دينيّةٍ، أو طائفيّةٍ، أو إثنية، إنّما يقوّض الديمقراطيّة، ومن ثمّ ينتهكُ شروط المواطنة المتساوية كلّها. وتتركّز سمتُها الأساسيّةُ في طابعها العامّ المشترك، وفي بقاء مؤسّساتِها مؤسّساتٍ وطنيّة عامّة، ومحايدة إزاء الأفراد والفئات الاجتماعية المتنوِّعة، لتؤدي وظيفتها في تحقيق التوازن بين المصالح الاجتماعية المختلفة.
• الدستور السوري؛ إنتاج دستور سوريّة المقبل استنادًا إلى عقدٍ اجتماعيٍّ يشكلُ مقدمةَ الدستور، يتناول هذا العقد بوضوح؛ تعريف سوريّة، من هو السوري، الشعب السوري، الدولة السوريّة، قضية القوميات والوطنيّة السوريّة، قضية الأديان والمعتقدات والوطنيّة السوريّة، محدِّدات علاقة سوريّة بمحيطها وبالعالم. العقدُ الاجتماعي هو التعبيرُ القانونيّ والحقوقيّ عن الكلِّ الاجتماعيّ، والمعبِّرُ عن التوافق على الحدّ الأدنى المشترك بين الأطياف الاجتماعية، ما يعني انضواءها تحت سلطة الدولة الوطنيّة الحديثة المنبثقة عن هذا التوافق. دستور سوريّة المستقبل يُنتجه السوريون حصرًا، داخل بلدهم، من دون أيِّ ضغوط، عبر جمعية تأسيسية منتخبة، ويُقرّ بالاستفتاء الشعبي العام.
3- النظام الديمقراطي
نظام سورية المستقبل نظامٌ ديمقراطيٌّ، وله مجموعةٌ متكاملةٌ من الأركان؛ مبدأ الحياة الدستورية، التعدّدية والنظام البرلماني، مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث، مبدأ سيادة القانون واستقلال القضاء، حقُّ المشاركة في الشؤون العامة، الشَّعب مصدرُ الشرعيّة والسلطات جميعها، احترامُ حقوق الإنسان في ضوء الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، حريّة التفكير والتعبير، حقّ التنظيم، حريّة الصحافة والنشر، عدم الاستئثار بالسلطة وتركيزها في مركزٍ واحدٍ، أي اللامركزية في الإدارة، وتوسيع دائرة اتخاذ القرار في المستويات كافة، وتنظيم الحياةِ السياسيّة عبر قانونٍ ديمقراطيٍّ للأحزاب، وتنظيم الإعلام والانتخابات البرلمانيّة وفق قوانين توفر الحريّة والشفافية والعدالة والفرص المتساوية.
4- الحريّات والسِّلم الأهليّ
• بيئة حرّة للتنوّع؛ سوريّة المستقبل وطنٌ تُتاح فيه الحريّةُ لجميع القوميات والأديان والمعتقدات والمذاهب والأيديولوجيّات والأحزاب في التعبير عن نفسها والفعل والتأثير، لكن مع استمرار دولتهم السياسيّة في التعبير عن الكلِّ الاجتماعيِّ. لذا ينبغي رفض كلّ رسائل التطمين المبتذلة الموجَّهة إلى أيّ طائفةٍ أو قومية؛ لأنَّها تعبِّر في العمق عن منطلقٍ طائفيٍّ أو إثني في النظر إلى السوريين لا عن منطلقٍ وطنيٍّ، وأيضًا رفض انتظار بعض السوريين للرسائل المطمئِنة؛ لأنَّها تعني أنَّهم ينظرون إلى أنفسهم أنَّهم مواطنون هامشيّون. ليس لأحدٍ أن يُطمئن أحدًا، وليس لجماعةٍ أن تُطمئن غيرها، فالجميعُ أصحابُ البيت، ومتساوون في الحقوق والواجبات.
• حُرمَةِ الدِّماءِ والممتلكاتِ؛ ينبغي التأكيدُ، اليوم وغدًا، على حُرمَةِ الدِّماءِ والممتلكاتِ الوطنيّة العامَّةِ والخاصَّة خارج إطار الدّفاع المباشر عن النفس، ونبذُ العُنفِ بصورهِ وأشكالِه كلها، وإدانتُه الصَّريحةُ القاطعةُ، وتجريمُه وطنيًّا، وإدانةُ التحريضِ على العُنفِ، أو تسويغِه أو تبريرِه، أو التَّرويجِ له، أو الدِّفاعِ عنه، وإدانة الإرهاب بأشكاله ووجوهه ومصادره كافة، والتّأكيد على التزام الوسائلِ السياسيّةِ السِّلميَّةِ في العمَلِ الوطنيِّ العامِّ، وحمايةُ النَّسيجِ الوطنِيِّ من الفتنِ الطائفيّةِ المصنَّعةِ والحقيقيَّةِ، ومن الدَّعواتِ العُنصُريَّةِ، ومن كُلِّ ما يُهدِّدُ سلامةَ الوطنِ، وتضامُنَ أبنائِه، ووحدةَ تُرابِه.
• العدالة الانتقالية؛ تنبني الدولة السوريّة على فكرة العدالة، وأساسُها سيادة القانون، ولها بناءٌ قانونيّ لا يستثني أحدًا من المحاسبة بصرف النظر عن موقعه الوظيفيِّ أو طبيعة المؤسَّسة التي يعمل فيها. وتقتضي العدالة وجود هيئةٍ وطنيّة للعدالة الانتقاليّة والمصالحة وردِّ المظالم من أجل المحاسبة، والكشف عن المفقودين، والتعويض على المعتقلين وضحايا العنف.
5- الثقافة الوطنيّة والوعي الوطنيّ
تُبنى الثقافة الوطنيّة، وتتبلور تدريجًا، عبر التفاعل المجتمعي، في مُناخٍ من الحريات والديمقراطيّة واحترام التنوّع والاختلاف بوصفه مصدر غنىً وطنيّ، ومن خلال برامجَ وطنيّة عامة تركّز على المشترك الثقافيّ كما على حقيقة الاختلاف بوصفه منبعًا للإبداع والتجديد؛ فتاريخ سوريّة وثقافتها هو تاريخُ وثقافة كلِّ التنوُّع الثقافيّ والسياسيّ والدينيّ والاجتماعيّ فيها، وليس تاريخَ إثنية بعينها أو دينٍ أو مذهبٍ دون سواه.
6- حقوق القوميات والجماعات الإثنيّة
ضمانُ حريّة القوميات والجماعات الإثنيّة، وحقوقها السياسية والثقافيّة والاجتماعيّة في العقد الاجتماعي الجديد، وإيجادُ حلٍّ ديمقراطيٍّ عادلٍ للقضيّة الكرديّة في إطار وحدة سوريّة أرضًا وشعبًا، بما يضمن المساواة الكاملة للمواطنين السوريّين الكرد مع بقية المواطنين السوريين، وإرساء قواعد حوار حقيقي لمناقشة الحلول الديمقراطية والممكنة جميعها التي من شأنها تحقيق مزيدٍ من الحريات، ومزيدٍ من تماسك النسيج الوطني والدولة الوطنيّة.
7- حرية المرأة وحقوقها
إطلاقُ إستراتيجية وطنيّة للنهوض بالمرأة، على مستوى الدولة والمجتمع معًا، والعمل على تمتّعها بالمساواة التامة مع الرجل في الحقوق كافة، وتوفير المُناخ الملائم لتوسيع مشاركتها في الحياة السياسيّة، وفي التنمية الشاملة، وغرس قيم الشراكة الحقيقيّة، والوقوف ضدَّ المعوقاتِ كلّها التي تحول دون ذلك بوصفها تتعارضُ مع قيم المواطنة المتساوية.
8- الجيش السوريّ والأجهزة الأمنية
بناء الجيش السوريّ على أسسٍ وطنيّة احترافية ومهنيَّة، وتُحدَّد مهماته بحماية الوطن، وصون وحدته، وحراسة ثرواته، والحفاظ على تراثه وحضارته ونظامه الديمقراطيّ، ويُبعد عن النزاعات السياسيّة والولاءات الحزبيّة والمناطقيّة والعشائريّة والمذهبيّة، أو أيّ صراعاتٍ أخرى أو ولاءاتٍ ضيِّقةٍ تخرجُه عن دوره الوطنيّ. وبناءُ أجهزة الأمن على أسسٍ تجعل منها سدًّا منيعًا تجاه الاختراقات الخارجية، وحارسًا أمينًا لمصالح المواطنين، تصونُ دماءهم وأعراضهم وأموالهم وتحمي حرياتِهم، وتكون محددّةَ المرجعيّات والمسؤوليّات، وخاضعةً للمساءلة القانونيّة على المستويين الشخصيّ والاعتباريّ، ويخضع عملُها للمراقبة الشَّعبيّة. ويلتقي مع هذه الرؤية عدم انخراط أفراد الجيش والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية في العمل السياسي والحزبي طوال مدة وجودهم في الخدمة.
9- النظام الاقتصادي الجديد
بناءُ نظامٍ اقتصاديٍّ حديثٍ يرتكز على التوازن بين الحريّة الاقتصادية، والحفاظ على دور رقابي وإشرافي للدولة في الحياة الاقتصاديّة عمومًا، بما يضمن وجود شبكة ضمان اجتماعي، فضلًا عن دورها الأساسي في القطّاعات الاستراتيجية، لكن بعيدًا من نمط الدولة المركزية التي تتحكم في مناحي الحياة كلها.
وخلقُ سياساتٍ اجتماعيّةٍ واقتصاديةٍ تضمن التطوير المتوازن والمتكامل بين مختلف المناطق السوريّة، مع الأخذ في الحسبان مسألة الارتقاء بالمناطق التي تعرّضت إلى الإهمال والتهميش في الماضي، وتحقيقُ التنمية المستدامة بأبعادها كافة، البشرية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والبيئية، بما يؤمِّن المواطنين ضدَّ الفقر ويحسِّن أوضاعهم المعيشية، ويضمنُ توزيعًا عادلًا للدخل القوميِّ، وفرصًا متساوية أمام الجميع، ويُتيح شغلَ الوظائف استنادًا إلى مبدأ الكفاءات لا الولاءات، ومحاربةُ ظواهر النهب والفساد والإفساد، ودخولُ سوريّة إلى المجتمع العالميّ من بوابة العلم والإنتاج والمعرفة.
10- السياسة الخارجيّة السوريّة
تلتزمُ السياسة الخارجيّة لسوريّة الجديدة مبادئَ وأهدافَ الشَّعب السوريّ والمصلحة الوطنيّة السوريّة، وفي مقدّمها الحفاظُ على استقلال وسيادة سوريّة ووحدتها، وحمايةُ أمنها واستقرارها وسلامة أراضيها، وخدمةُ المصالح الاقتصاديّة الوطنيّة، ودعمُ وتعزيزُ استراتيجيّات التنمية الداخلية الشاملة. سوريّة الجديدة دولةٌ تقوم على كامل أراضيها، ولا تتخلى عن أيِّ جزءٍ محتلٍّ منها، وتستخدمُ الوسائل المتاحة، والمشروعة دوليًا، لتحرير أراضيها؛ دولةٌ تبني علاقاتها بمحيطها، العربيّ والإقليمي، على أساسٍ تكامليٍّ يحقِّق المصالح المشتركة؛ دولةٌ تؤسِّس علاقاتِها الدوليّة على مبدأ النديّة والاحترام المتبادل، وعلى احترام المواثيق والعهود الدوليّة، وتلتزمُ الاتفاقيّات والعقود السابقة للحكومات السوريّة المتعاقبة التي لا تخلُّ بسيادتها، ولا تضرُّ بمصالح شعبِها.
رابعًا: محدِّدات وطنيّة أولية: قوى الواقع الراهن وقوى المستقبل
نشير أولًا إلى أن تعبير "القوى" تعبيرٌ واسعٌ، يمكن أن يعني القوى السياسية أو القوى العسكرية أو النخب والشخصيات الثقافية والسياسية، أي القوى الحاضرة في المشهد السوري، بصرف النظر عن تقديرنا لأوزانها الفاعلة، ونشير أيضًا إلى ضرورة تحويل المعاني الأخلاقية في هذا النص إلى قوانين واضحة مع كل خطوة نسيرها باتجاه سوريّة الجديدة.
1- نظام الحكم الحالي
نظام الحكم الحالي نظامٌ استبداديٌّ، يرتكز على منطقِ الغلبة والقهر والفئوية والتمييز الطائفي والقومي، تغلغل فسادُه في مناحي الحياة كلها، والتهمَت سلطتُه الدولةَ السوريّة، وجيَّرت وظائفَها وأدوارَها في خدمتِها، وألغت سائرَ أشكالِ التّضامن الاجتماعيِّ، وحوّلت المجتمعَ السوريَّ إلى سديمٍ بشريٍّ مفكّكٍ، وقد اعتمد آليات عديدة في التعاطي مع السوريّين، ترتكز على الترهيب والقتل والقمع والاعتقال والإفساد، وأحيانًا الترغيب؛ وهو اليوم، بعد سنواتٍ تسعٍ من ثورة الشعب من أجل التغيير، الثورة التي له النصيبُ الأكبرُ في تحويلها إلى محنة وطنيّة تكاد تشمل السوريين كلهم، لا يمتلكُ القدرةَ والإرادةَ اللازمتين لحلٍّ سياسيٍّ يحقِّق مصلحةَ البلد والشَّعب؛ نظامٌ لا يَصلُح ولا يُصلَح ولا يُصلِح. وإذ ذاك، فإنه لا أفقَ لسوريّة ولأكثرية السوريين إلّا برحيله؛ فرحيله خطوةٌ أولى في اتجاه تحقيق السِّلم الأهليِّ والمصالحة الوطنيّة، وفي بقائه استمرارٌ للشروخ الهائلة التي خلقها داخل المجتمع السوري، وتحريضٌ على نموِّ مشاعر الحقد والانتقام بين السوريّين.
هدفُنا هو التّغيير البنيويُّ الشاملُ الذي لا يعني رحيلَ النظام فحسب، بل يعني أيضًا تفكيكَ بنيةِ الدولة الشموليّة، وإعادةَ بنائها عبر تأسيس عقدٍ اجتماعيٍّ جديدٍ أساسُه المواطنُ السوريُّ، وهذا يستلزمُ مشاركةَ المواطنين السوريين جميعهم، باستثناء أولئك الذين اندرجوا في آليات القتل والفساد، أكانوا في صفوف النظام أم المعارضة الحالية بأطيافها كافة.
2- القوى الراهنة
تنوّعُ القوى السياسية من حيث معتقداتها وأهدافها وبرامجها أمرٌ طبيعيٌّ، شريطة ألا يتعارض وجودُها مع الدستور السوري مستقبلًا، ومع سوريّة الوطن والشعب؛ سوريّة الخالية من الاستبداد بأشكاله كلها، ومن الاحتلالات جميعها، ومن التطرف بأنماطه كافة، القومية والدينية والمذهبية. لكن القوى الراهنة معظمها، قد أخلَّت بالأساسيات هذه، واندرجت في مشروعاتٍ لا تتوافق مع المصلحة الوطنيّة السوريّة، ولم تنجحْ في إنجاز برنامج عملٍ يحملُ مشروعًا وطنيًّا يُجسِّدُ تطلعاتِ الشعب السوري للانعتاق من حال الضياع والشلل؛ مشروعًا وطنيًّا فوق الأيديولوجيات والعقائد والأحزاب والمصالح الفئوية، بهدف إنهاء الاستبداد وإحلالِ الديمقراطية وتحريرِ البلاد من القوى الدخيلة أو التي لا تعترفُ بالكيان الوطني السوري وسيادةِ الشعب السوري المطلقة عليه، وفشلت في تأليف قيادةٍ وطنيّة حقيقيةٍ، وذات كفاءةٍ، تحملُ المشروع الوطني، وتحصلُ على الشرعية الحقيقية واللازمة لأداءِ دورها.
3- حيازة واستخدام السلاح
ينبغي أن تنظرَ القوى العسكرية السوريّة كلّها، الموجودة حاليًا، إلى نفسها أنها قوى مؤقّتة، وأن سلاحَها غيرُ شرعي، وأن تلتزمَ حلَّ نفسِها مستقبلًا أو تتعهد تسليمَ سلاحِها إلى الدولة السوريّة الجديدة التي هي وحدها صاحبةُ الحقِّ بحيازة السلاح واستخدامه، أو الاندماجَ في الجيش السوري بصورة فردية. ويتصلُ بذلك، في اللحظة الراهنة، ضرورةُ إدانةِ كلِّ قوةٍ سياسيةٍ أو عسكريةٍ تسعى لفرضِ وجودها أو أيديولوجيتها أو معتقدها بقوة السلاح، مثلما ينبغي رفضُ أيِّ تغييرٍ ديموغرافيٍّ في أي بقعة من سوريّة وإبطالُه، والإقرارُ بحقِّ كلِّ سوريٍّ في العودة إلى وطنه وبيته في أيٍّ وقتٍ، فكلُّ ما يُفرض بقوة السلاح مرفوضٌ ومدانٌ، وينبغي تجريمُ السلوكاتِ هذه كلِّها قانونيًا في سوريّة الجديدة.
4- العلاقات بين القوى وتحالفاتها
كلُّ حوارٍ أو تحالفٍ سياسيٍّ بين القوى السياسية السوريّة مرحبٌ به، شريطة ألا يكونَ موجهًا ضد سوريّة، أو ضدّ إحدى الفئات الاجتماعية السوريّة، أو يخدمُ تدخلَ دولةٍ أو جهةٍ خارجية ما في الشأن السوري. وتنبغي إدانةُ أي بيانٍ أو تصريحٍ أو خطابٍ سياسي أو إعلامي يرتكزُ على التحشيد والتجييش والإقصاء ضدّ أي فئة سوريّة على أساس إثني أو ديني أو ثقافي أو مهني أو جنسي.
ينبغي للقوى السياسية إرساءُ تقاليد سياسية حديثة في التعامل فيما بينها أو في بناء تحالفاتِها السياسية أو مخاطبتها لبعضها بعضًا، واعتمادُ الحوار سبيلًا لحلِّ المشكلاتِ في ما بينها، ورفضُ لغة التخوين وخطاب الكراهية، والتزامُ الصدقيّة في تحالفاتها، بعيدًا من البراغماتية العوراء والمصالح الضيقة، الفردية والفئوية، ومناقشةُ جميع المسائل السياسية الخلافيّة في ضوء الوطنيّة السوريّة، لا ضدها أو بالتخارج معها. ولا بدّ من الارتقاء بالحوار السياسي السوري إلى الحوار حول المفهومات والتفاصيل، بدلًا من التخندق وراء الشعارات والأهداف الكلية والكلمات العامة؛ فأنماط الحكم الديمقراطي، مثلًا، عديدة ومتنوعة، ولا يمكن الوقوف معها أو ضدّها على طول الخط، بحكم وجود أشكالٍ ودرجاتٍ وأنماطٍ عديدةٍ منها، ما يفرضُ ضرورةَ مناقشةِ كلٍّ منها تفصيلًا، واختيار أو رفض أيٍّ منها استنادًا إلى معايير رئيسة؛ وحدة الأرض والشعب، المصالح الوطنيّة السوريّة، موافقة المؤسسات التمثيلية والشرعية.
5- علاقة القوى بالخارج
في سوريّة الجديدة، ينبغي تأسيسُ ديناميّةٍ جديدةٍ تجعل الارتهانَ للخارج أمرًا ممجوجًا ومدانًا، ويجبُ أن تنصّ قوانينُها على رفضِ أي قوةٍ تجعلُ من نفسها فرعًا تنظيميًا صريحًا لقوةٍ غير سوريّة، أو تجعلُ من نفسها مركزًا تنظيميًا صريحًا لفروع غير سوريّة، وتجريمِ كلِّ قوةٍ تستعينُ بأيِّ قوةٍ خارج سوريّة، أكان هذا استنادًا إلى التماثل الأيديولوجي أو القومي أو الديني، وتجريمِ كلِّ قوةٍ سوريّةٍ تحاولُ التدخّل في صراعاتٍ غير سوريّة بإرسال أعضائها أو جنودها إلى أيِّ مكان خارج سوريّة.
من حقِّ القوى السياسية أن تعقدَ اتفاقاتٍ سياسيةً أو ثقافية أو تدريبية في سياق تبادل الخبرات مع قوى غير سوريّة تشاركُها الرأي، لكن لا يحقُّ لأيِّ قوةٍ سياسية (أو عسكرية) أن تعقدَ أيَّ اتفاقاتٍ، سرية أو علنية، مع الدول أو أي جهاتٍ خارجية تتعلق بالمصالح الوطنيّة السوريّة والممتلكات الوطنيّة؛ فهذا العمل من حقِّ القوى المنتخبة أو القوى التي تمثِّل الحكومةَ الشرعية الجديدة والمؤلفة استنادًا إلى توافقات الحلِّ السياسي والقواعد الديمقراطية حصرًا.
6- القوى الراهنة والثروة الوطنيّة
القوى السياسية والعسكرية الحالية هي قوى تخصّ أعضاءها فحسب، وهي ليست قوىً تمثيلية منتخبة أو قوىً حكومية معترفًا بها؛ لذلك أيُّ محاولةٍ من أيِّ قوةٍ منها لفرض أمرٍ واقع في سوريّة أو تحوّلها إلى قوة أمرٍ واقعٍ تتصرف بالثروة السوريّة والأرض السوريّة كيفما تشاء، أو وضع اليد عليها أو اقتسامها أو عقد اتفاقات خارجية بشأنها، هي سلوكاتٌ مرفوضةٌ جملةً وتفصيلًا، وينبغي تجريمُها قانونيًا؛ فالثرواتُ السوريّة في الجغرافيا السوريّة كاملة ثرواتٌ وطنيّةٌ عامة، والتصرفُ بها من حقِّ القوى المنتخبة أو القوى التي تمثِّل الحكومة الشرعية الجديدة والمؤلفة استنادًا إلى توافقات الحل السياسي والقواعد الديمقراطية حصرًا.
7- قوى المستقبل
السوريون مطالبون بإنتاج قوىً سياسيةٍ وطنيّة جديدة، تتجاوزُ القوى الحالية، سياسيًا وبرامجيًا وخطابًا وأداءً، تلك التي فشلت في تقديم خطابٍ وطنيٍّ عموميٍّ للسوريين، وخطابٍ إلى العالم، وأسهمت في تقديم السوريين إلى العالم على هيئة طوائف وقوميات وميليشيات تابعة لدول أخرى، بدلًا من تقديم أنفسهم بوصفهم سوريين أولًا وقبل كلِّ شيء، وهذا يتطلبُ وضعَ خطٍّ فاصلٍ وواضحٍ، يُقيم الحدَّ على المرحلة الماضية، للانطلاق نحو الإسهام في بناء مجالٍ عموميٍّ سوريٍّ يعزلُ أطرافَ الصراع الحالية، ويقطعُ معها، تدريجًا، تلك التي ركبت على الانقسامات العمودية في المجتمع السوري، وتماهت مع التدخلات الإقليمية والدولية التي استثمرت في الانقسامات هذه، وفي الأطراف نفسها.
خامسًا: كلمة أخيرة
لا يسعى هذا الإعلان ليكون نهايةَ المطاف أو قولًا فصلًا، أو ليكون صيغةً مكتملةً ونهائيةً؛ إنه صيغةٌ متجدِّدةٌ، ومنفتحةٌ على التطور، بقدر تقدّم الحوار بين السوريين، ونضجِ التجربة الواقعية، وتطورِ الأوضاع في المستويات كافة، ما يجعله موضوعَ حوارٍ دائمٍ، بهدف تعميقِ وإنضاجِ رؤاه وتوجهاته، وبما يؤدي إلى تحوّله، تدريجًا، إلى مشروعِ تغييرٍ وطنيٍّ ديمقراطيٍّ سوريٍّ يحظى بأوسع مشاركة سوريّة ممكنة.
نؤكِّد، أخيرًا، على أن توقيعَ هذا الإعلان من جانب أيِّ فردٍ سوريٍّ، أو قوةٍ سوريّة، هو مسؤوليةٌ كبيرةٌ، ونهيبُ بالسوريين ألّا يستسهلوا توقيعَه من دون أن يشعروا أنه يُعبِّر، بقدرٍ ما، عن أرواحهم ورؤاهم وآمالهم ومصالحهم، خصوصًا أن بعضنا استسهل الأمر ووقّع، خلال السنوات الماضية، بياناتٍ متناقضةً في الآن نفسه؛ فالتوقيعُ مسؤوليةٌ وطنيّة وحقوقيّة كبيرةٌ، تمامًا مثل الكلمة والموقف والأداء.